تروم الدراسة إثارة جملة من القضايا التربوية المرتبطة بتدريس مكون التعبير والإنشاء، في صلته بمنهاج اللغة العربية الخاص بالسلك الثانوي الإعدادي. وأهم هذه القضايا التقاطع الحاصل بين الشفاهي والكتابي وكذا الازدواج اللغوي بين العامي والفصيح. ولهذا الغرض اختار البحث خطة منهجية تقوم على الوصف والتحليل والتأويل التربوي، لبيان أهمية هذا المكون التعبيري في صقل وتهذيب لغة المتعلم، ثم تسليط الضوء على محتويات البرنامج الدراسي وأهدافه البيداغوجية. وبين هذا وذاك، الكشف عن طبيعة الأنشطة الديدكتيكية التي يخطط لها المدرس لتدبير العلاقة التفاعلية بينه وبين المتعلم، من جهة، وبين المتعلم والمضمون التربوي من جهة ثانية.
مدخل
ارتبط تجويد المنظومة التربوية بمدى تجويد فعل التدريس، من خلال أقطابه
الثلاثة، المدرس والمتعلم ثم محتوى التدريس. فكلما كان تصور الدرس في ذهن المدرس
جيدا وتدبيره له يستدعي استراتيجية مضبوطة تراعي صحة المعلومات وسلامة الأداء،
كلما تحققت الغاية التربوية المنشودة. فالمدرس الناجح من حوّل فضاء الدرس إلى ورش
مفتوح على الإبداع والابتكار، وسار في اتجاه ما تقتضيه الطرائق البيداغوجية
الحديثة التي تولي العناية بالتلميذ/ المتعلم أولا. فلم يعد مقبولا أن يظل المدرس
مهيمنا على العملية التعليمية التعلمية داخل الفصل الدراسي، بل أصبح معنيا بفكرة
التنشيط من خلال توزيع الأدوار بين المتعلمين.
ويتعلق الأمر، هنا، بتدريس المواد، ومنها مادة اللغة العربية.
فهل من استراتيجية تربوية يتبعها المدرس؟ وماذا عن علاقته التواصلية
بالمتعلم وبالمحتوى التعليمي؟ ثم كيف يستقيم له تدريس مكون التعبير والإنشاء، في
ظل ما يطرحه من إشكالات تربوية وبيداغوجية؟
1-
مفاهيم أولية
أصبح الحديث، اليوم، عن الديدكتيك وما يرتبط به من مفاهيم نظرية ومصطلحات
إجرائية متنوعة، تهم تدريس المواد، وفق منظور مزدوج أحدهما معرفي والآخر بيداغوجي.
وقد قُسّم الديدكتيك إلى نوعين: ديدكتيك عامة تعنى بالمشترك بين المواد الدراسية
في التعليم، ثم ديدكتيك خاصة تقتصر على ما يتصل بمادة دراسية مستقلة لها موضوعها
وخصوصيتها. والمشتغل بالديدكتيك، عموما، حين يضطلع بعملية التدريس، يضع في تخطيطا
ثلاثي الأبعاد يناسب طبيعة المادة وخصوصية المتعلم، إذ يعمد إلى تبسيط المعارف
المراد توصيلها وتذليل صعوباتها. ينضاف، إلى جانب الاهتمام بالمحتوى التعليمي
للدرس، أخذه بعين الاعتبار قدرات المتعلم وجوانبه النفسية والجسمية والحركية. إنه
نوع من النقل الديدكتيكي الرامي إلى تدبير المعارف/ التعلمات المدرسية.
غير أن الديدكتيك، وفق المواصفات السابقة، لا يكتفي بالبحث عن "كيف
يتم دفع التلميذ إلى اكتساب هذا المفهوم أو تلك العملية، أو تلك التقنية، وإنما
يجب أن نهتم، وبالدرجة الأولى، بتحديد ماذا يقدر التلميذ على تعلمه في إطار بعض
أصناف المعرفة."[1]
لا شك أن اشتغال الديدكتيك، كما وصفته الأطر المرجعية، ارتبطت ممارسته
الفعلية باعتماد إجراء منهجي جديد يتعلق بتفعيل مدخل الكفايات. وتعد الكفاية، في
ارتباطها بالديدكتيك، مدخلا رئيسا للممارسة التربوية وإحدى الدعامات التي انبنى
عليها منهاج اللغة العربية وراهن على إدماجها بالأسلاك التعليمية الثلاثة. وبالنظر
لأهمية الكفاية، بوصفها مطلبا تربويا حديثا، فقد تعددت تعريفاتها بتعدد المتدخلين
في المجال، وتباين مفهومها بتباين مرجعياتهم الفكرية والفلسفية. والواقع أن تعدد
هذه التعريفات، الموزعة بين المعاجم اللغوية والتآليف التربوية، قد ساهم في حصر
مجال الاشتغال وضبط مساره.
يمكن اختزال لفظة الكفاية في كونها مجموعة من المعارف والخبرات والمؤهلات،
التي يمكن أن يتوفر عليها المرء، متعلما كان أم معلما. إنها بتعبير آخر "نظام
من المعارف المفاهيمية الذهنية والمهارية (العملية) التي تنتظم في خطاطات إجرائية
تمكن في إطار فئة من الوضعيات من التعرف على المهمة الإشكالية، وحلها بنشاط
وفعالية." [2] إلا أن "امتلاك المعارف أو
القدرات لا يعني بالضرورة أن يكون المرء كفؤا، إذ لا تكمن الكفاية في موارد،
معارف، قدرات ينبغي تعبئتها، بل في كيفية توظيفها واستعمالها. فهذه العدة شرط
لوجود الكفاية"[3] إن شرط تحقق الكفاية
رهين بمدى تمثلها من قبل المتعلم من خلال استحضارها وقت الضرورة عند كل وضعية
مشكلة تعترض سبيله المعرفي أو اللغوي أو التواصلي.
2-
المثلث البيداغوجي
الظاهر أن الأمر تحَوّل إلى بحث في طرائق الاشتغال وأساليب التنشيط، إلى
جانب الاستئناس بالمفاهيم الجديدة. فكل مفهوم يقتضي إلماما بكيفية تنزيله التنزيل
البيداغوجي السليم، وإلا ظل عائقا تربويا لدى المدرس والمتعلم معا. هكذا إذا كان
التوجه في السابق قد أولى العناية للمدرس، باعتباره مُسيّرا ومُوجّها لمجموعة
القسم؛ فإن التوجه اليوم غدا منصبا على المتعلم. ومن ثمة، "أصبحت فرضية
التواصل داخل مجموعة القسم، تسير في اتجاهين: عمودي وأفقي. بمعنى آخر، يكون الحوار
من المدرس في اتجاه التلميذ أو العكس من التلميذ إلى المدرس، أو من تلميذ لآخر.
وبفضل هذا النظام العلائقي، الذي يحدث داخل القسم، تدخل، هذه الأخيرة، في علاقات
ديناميكية تطبع التفاعل الحاصل بين أعضائها بطابع السيرورة والصيرورة معا. ونتيجة
للتداخل الذي يقع بين المستويين تصبح العملية ككل، شبكة للتواصل لا تعرف الثبات
وإنما الحركية والحوار" (مدرس/ تلميذ) (تلميذ/ مدرس) (تلميذ/ تلميذ).. وهكذا
دواليك." [4]
إن الاهتمام بالمدرس والمتعلم معا لم يأت، في التوجيهات الرسمية، اعتباطا،
بل بهدف ربط جسور التواصل التربوي بينهما وبين الجماعة اللغوية التي ينتميان
إليها. فبين المدرس والمتعلم برنامج دراسي يتم تدارسه عبر اللغة، باعتبارها وسيلة
للفهم والإفهام، وباعتبارها تشمل لغة الكتابة ولغة الحديث الشفاهي أيضا. وهو الأمر
الذي تتجلى ممارسته فعليا خلال درس التعبير والإنشاء، محور هذه الدراسة.
من ثمة، تأتي أهمية المدرس، باعتباره مكلفا ومعنيّا بتنزيل الأهداف التي
سطرتها المنظومة التعليمية، من جهة، وبوصفه فاعلا ومنشطا عبر تحفيز المتعلمين على
حسن الإصغاء أثناء إنجاز الدرس وجعلهم قادرين على استثمار مواهبهم وقدراتهم
العقلية والجسمية، من جهة ثانية. ولا يتحقق هذا المسعى، إلا بجعل فضاء القسم مشبعا
بالحركة والحيوية باعتماد "نهج تربوي نشيط، يتجاوز التلقي السلبي والعمل
الفردي إلى اعتماد التعلم الذاتي، والقدرة على المشاركة في الاجتهاد
الجماعي."[5]. وهو الأمر الذي يغدو معه
مفهوم التدبير، ومنه تدبير فضاء القسم، مؤشرا دالا، من بين مؤشرات أخرى لبيان مدى
انتظام العلاقة بين المدرس والمتعلم، وتحقيقا فعليا للتصور النظري الذي خطط له
المدرس قبلا. تبعا لذلك، "يعد فضاء الفصل الدراسي مقياسا لمدى نجاح العملية
التواصلية، عن على مستوى الحوارات الأفقية التي تربط التلاميذ فيما بينهم أو
بالنسبة للحوارات العمودية بين الأستاذ والتلاميذ. ولهذه الصيغ التدبيرية تأثير
على مستوى التحصيل الدراسي."[6]
ماذا الآن عن درس التعبير والإنشاء؟ وما هي أنواع الكفايات ووظائفها المراد
تطويرها لدى المتعلم؟ وكيف يتأتى الحديث، من خلاله، عن اللغة باعتبارها أداة
للتواصل الشفاهي والكتابي، في آن؟
3-
مفهوم التعبير
يسعفنا لسان العرب في تحديد أولي لملفوظ (التعبير) حيث يقول ابن منظور:
"عبّر عما في نفسه أعرب وبيّن. وعبّر عنه غيره: عيي فأعرب عنه، والاسم
العِبرة، والعِبارة والعَبارة. وعبر عن فلان: تكلم عنه، واللسان يعبر عما في
الضمير."[7] فثمة الإشارة إلى
الإفصاح والبيان وإظهار ما خفي في العقول والصدور. ولا شك أن التعبير له علاقة
بعمليتي "الفهم والإفهام" كما عبر عنهما، ذات سياق، عبد القاهر الجرجاني
في حديثه عن النظم. فالتعبير بهذا المعنى، وسيلة من وسائل التواصل والإبانة، من
خلاله يستطيع المرء الإفصاح عن أفكاره وآرائه ومشاعره في مختلف القضايا والموضوعات
التي تشغله أو تعترض طريقه.
أما عن المفهوم الاصطلاحي للفظ التعبير، فمرتبط بالفعل التربوي والإبداعي.
إنه، وفق هذا التصور، "نشاط أساسي في تهذيب المتعلم، وتطبّعه بحب الفن،
والميل عن أشكاله والإفصاح عن مواهبه، وتتميز كل وضعيات الإبداع بكونها وضعيات
مفتوحة تتطلب النشاط الذاتي للمتعلم، وتقلص سلطة المدرس، وتتصف بغياب أساليب
التوجيه."[8] وهو ذات التوجه الذي
ارتضاه سابقا محمد الدريج، حين اعتبر التعبير "المحك الأمثل الذي تتراءى من
خلاله بحق شخصية التلميذ المعرفية والإبداعية، إذ يشكل بشقيه (الكتابي والشفاهي)
-ضمن الحقل التعليمي- الغاية التي تقف دونها الغايات الأخرى."[9]
ومهما أوردنا من تعريفات التي أفردت لمفهوم التعبير، فإن اتفاقها حول
إبداعية المتعلم في إنتاج نص من صميم عمله، يبرر قيمه هذا المكون. لكن السؤال الذي
يظل مطروحا هو: هل يستقيم تعبير المتعلم دون مؤهلات تستجيب لطموحه الفردي ودون
استعداد قبلي يوصله إلى فعل الإنشاء؟ لعل الإجابة هنا، متوقفة على مدى استحضار
المراحل التي يحتاج فيها المتعلم إلى اكتساب مهارات متنوعة تمكنه من توظيفها خلال
وضعيات شائكة.
لا غرو أن التعبير الشفاهي عند المتعلم، يعد سابقا زمنيا على ممارسة فعل
الكتابة. فهو المهارة الأولى التي يتواصل بها في بيئته قبل ولوج المدرسة. وتندرج
هذه الأداة الشفاهية ضمن ما يعرف بلغة الأم، يتم عبْرها التعبير بتلقائية وعفوية
لا تخضع لقواعد مضبوطة. فالتعبير الشفاهي مرتبط أشد الارتباط باللغة وبكيفية
استعمالها، فهو "المنطلق الأول على التعبير، بوجه عام، وهو عبارة عن المحادثة
او التخاطب الذي يعيشه أو يمر به، ويعبر من خلاله عن أفكاره بجمل مرتجلة دون أن
يكون قد كتبها"[10].
ولعل من تجليات البعد الشفاهي لدى المتعلم تكمن في مدى نجاحه في عمليات الحوار
والمحادثة، غير هذه النجاح لا يتم إلا إذا توافرت للمتعلم مهارة الاستماع، لأنها
تعد "من أصعب مهارات الاتصال. فمهارات التكلم والقراءة والكتابة تتم بقصد
وبغير قصد، وبتخطيط وبغير تخطيط، في حين أن المرء يسمع يوميا ما يريد وما لا يريد،
وما يعنيه وما لا يعنيه، فيهتم بما يهمه ويدع ما لا يهمه، إلا إنه في الحالتين
مارس السمع والاستماع."[11]
هكذا بحكم التقاطع الموجود بين الشفاهي والكتابي، يجد المتعلم نفسه أمام
زخم من المعلومات والمحكيات والمشاهدات وما إليها، تتزاحم في ذهنه لحظة التواصل.
لذلك لا غرابة أن تتخلل تعبيراته أو كتاباته أخطاء لغوية ومعجمية متفاوتة في
الدرجة، تُقوّم تدريجيا من قبل الأسرة والمجتمع الصغير ثم من المدرس، بعد حين.
أما التعبير الكتابي، فيمر هو الآخر عبر اللغة، ويقوم على ما اكتسبه
المتعلم في السابق من مهارات قرائية وسمعية وحركية، وما يحفظه أو يستحضره من نصوص
ثقافية أو حكايات تراثية تخول له دمجها في سياقات تعبيرية مختلفة لاحقة. ولعل تلك
المهارات والمكتسبات وغيرها، رهين بالقدرات التي يمتلكها المتعلم، إذ بها ينشط
مخيلته وينظم أفكاره ويرتب تعابيره، ضمانا لتواصل إيجابي مع الآخر، وحرصا على
تأكيد هويته وإبراز شخصيته. وهو ما يحيلنا مباشرة إلى عالم الإنشاء.
4-
مفهوم الإنشاء
يسعفنا، مرة أخرى، لسان العرب في تحديد المعنى اللغوي لهذه الكلمة، حيث
نقرأ: "أنشأ يحكي حديثا: جعل. وأنشأ يفعل كذا ويقول كذا: ابتدأ وأقبل. وفلان
ينشئ الأحاديث أي يضعها"[12]
ومنه نفهم أن الإنشاء مرتبط بالقول والكتابة؛ ومتصل أيضا بالإبداع والابتكار. أي
قدرة المتعلم أن يأتي بإنشاء/ كتابة لم يسبق له أن قدمها من قبل، يعكس فيها جهده
وبراعته وقوة حجته وطريقة استدلاله. فهي، بهذا المعنى، مغامرة غير مأمونة العواقب،
يدخلها المتعلم لأول مرة. الأمر الذي يجعلنا نعتبر الإنشاء، وفق التعريفات
والتأويلات التي تصدت له، غاية ووسيلة في آن، مفادها تحقيق التواصل اللغوي
والاجتماعي أيضا.
غير أن أمر التعالق بين التعبير والإنشاء، يطرح أكثر من سؤال، إذ "لا
يكاد يستقر الأمر على حال في مؤلفات تدريس اللغة العربية ومناهج الوطن العربي،
فجلها يستعمل التعبير، وبعضها يخصص التعبير للمرحلة الابتدائية، والإنشاء
للمرحلتين الإعدادية والثانوية، والبعض الآخر يستعمل الإنشاء بدءا من نهاية
المرحلة الابتدائية، أو يجعله خاصا بالمرحلة الثانوية، ومن المؤلفات ما يجمع
المصطلحين معا. والتصفح العابر للمؤلفات والمناهج يوحي بأن الاختلاف يمس المادة
أكثر مما يمس الأهداف المرجوة منها، أو طرائق تدريسها وتقويمه."[13]
انطلاقا مما سبق، تمثل حصة الإنشاء، بغض النظر عن إشكالية العلاقة بينها
وبين التعبير، فرصة للمتعلم كي يتدرب على توظيف ما تم تخزينه من ثروة لغوية
ومعجمية وما تم تجميعه من أفكار ورؤى متنوعة، وأن يستحضر، بالتالي، جميع ما راقه
من صيغ وأساليب تعبيرية تتوافر فيها شروط الانسجام والتماسك بين المسموع والمنطوق
وبين المكتوب.
إن الحديث عن مفهوم الكتابة، يزداد عمقا كلما نظرنا في بعدها التربوي
الوظيفي، حيث احترام قواعد الإملاء وتمثل رسم الكلمات وتنظيم الجمل والعبارات بحسب
المعنى المراد والجهة المستقبلة (المتلقي المستمع أو المتلقي القارئ). وكذلك، إذا
نظرنا في بعدها الإبداعي والتخيلي، حيث المبادرة الشخصية في اختيار الموضوع وعرض
الأفكار وابتكار الأسلوب واستدعاء الخيال، تبعا للحالة الشعورية وللسياق الذاتي
والموضوعي. لكن لماذا يتم الربط، في الغالب، بين كلمة التعبير وكلمة الإنشاء؟ وهل
يمكن الفصل بينهما؟ وبأي مقياس؟
5-
التواصل بين الانتشار والانحسار
تتحدد العلاقة بين لفظتي التعبير والإنشاء في كونهما وجهين لعملة تواصلية
واحدة. فالتعبير حاجة إنسانية تلازم الفرد، في مساره الاجتماعية واللغوي المتعدد،
والإنشاء تحقيق فعلي لهذه الحاجة. لذلك من الطبعي أن يُردَف التعبير بالإنشاء.
فكلاهما يستلزم الآخر. غير أن هذا الاستلزام سرعان ما يطرح مشاكل عدة على مستوى
الإنجاز، من قبيل التنافر الذي قد يحصل بينهما لحظة التعبير، سوان أكان فرديا أم
جماعيا.
إن التعبير الشفاهي، بما يضمره من مرونة وانسيابية، يجعل اللغة/ اللهجة
العامية تظفر بالأولوية، حيث تخترق بذاتها سائر الأوساط المجتمعية، بشكل يزاحم
اللغة العربية. فالزمن الذي يقضيه المتعلم في تواصله بلغته الأم أكبر بكثير،
مقارنةً مع علاقته التواصلية باللغة العربية. وإذا كان الأمر كذلك، فإن المتعلم
سرعان ما يحس بازدواجية الخطاب في تعبيره، بين العامي والفصيح. فهو مضطر، في غياب
امتلاك معجم لغوي متكامل، للاستعانة بألفاظ وتعابير من القاموس العامي، كي يسد
فراغات تعبيره حين يروم ترجمة التواصل إلى إنجاز خطي.
هكذا، كلما كان المتعلم أكثر انجذابا إلى لغته الأصلية المتداولة بين
الناس، بعيدا عما يلقن داخل الفصل الدراسي، انعكس ذلك على مكتوبه، سواء في
إنشاءاته التطبيقية أو في تحضيراته المنزلية. فإلى أي حد تساهم المدرسة في تقليص
الهوة بين العامية والفصحى؟ وكيف ينخرط المدرس في تطوير آليات اشتغاله من أجل
الرفع من مستوى أداء المتعلمين وإنماء كفاياتهم المتنوعة؟ وإلى أي حد تمثلت الجهة
الوصية بعض المشاكل والمزالق التي كانت تقف حجر عثرة أمام إصلاح المنظومة
التربوية، بما فيها منهاج مادة اللغة العربية ومكوناتها الدراسية المختلفة؟
لقد حرصت وزارة التربية الوطنية، من خلال التوجيهات التربوية والبرامج
الخاصة بمواد التعليم بأسلاكه الثلاثة الابتدائي والإعدادي والثانوي، على إيلاء
هذا المكون العناية اللازمة قصد تمكين المتعلم تدريجيا من مهارات تقوي مداركه
العقلية والفكرية، كما تنمي قدراته التخيلية والإبداعية.
يهمنا، في هذا السياق، التوقف عند مرحلة السلك الثانوي الإعدادي تحديدا،
بالنظر إلى تموقعه، كمرحلة انتقالية، بين السلك الابتدائي والسلك الثانوي
التأهيلي، قصد استجلاء طبيعة المقاربة التربوية والديدكتيكية التي خُصّ بها تدبير
درس التعبير والإنشاء.
.........................
[1] - عبد اللطيف الفارابي وآخرون. معجم علوم التربية مصطلحات
البيداغوجيا والديدكتيك. سلسلة علوم التربية 1994. ص70
[2] - محمد الدريج. الكفايات في التعليم سلسلة المعرفة للجميع. الرباط
2000. ص57
[3] - لحسن مادي. تكوين المدرسين نحو بدائل لتطوير الكفايات. منشورات
مجلة علوم التربية 2001. ص35
[4] - أحمد زنيبر. الوضع اللغوي في الفصل الدراسي بين المؤسسة
والممارسة. مقال ضمن مجلة الحياة المدرسية ع8 الرباط 2007. ص46
[5] - الميثاق الوطني للتربية والتكوين، 1999
[6] - الوحدة المركزية لتكوين الأطر. دليل مسلك تأهيل أساتذة التعليم
الثانوي الإعدادي 2012. ص6
[7] - ابن منظور. لسان العرب. ص530
[8] - عبد الكريم غريب، 2001
[9] - محمد الدريج، تحليل العملية التعليمية وتكوين المدرسين 2004، ص58
[10] - محمد أولحاج، ديدكتيك التعبير والتواصل. 2005، ص47
[11] - عيسى راشد علي. مهارات التواصل 2004. ص114
[12] - ابن منظور. المجلد الأول
[13] - ميلود احبدو. سبل تطوير المناهج التعليمية نموذج تدريس الإنشاء
1993. ص16
إرسال تعليق