قراءة أولية في برامج مقررات السنة الثالثة
من التعليم الثانوي الإعدادي
صدرت، في الآونة الأخيرة، ثلاثة كتب مدرسية خاصة بمادة اللغة العربية، تستهدف تلاميذ وتلميذات السنة الثالثة من التعليم الثانوي الإعدادي، وذلك في إطار استكمال الوزارة المعنية مشروعها الإصلاحي للمنظومة التعليمية ببلادنا.
تأتي أهمية هذه الكتب/المقررات المدرسية، في ما حملته من جديد على مستوى التصور البيداغوجي من جهة، وعلى مستوى القيم والكفايات المستهدفة من جهة ثانية، وكذا على مستوى الأداء الديداكتيكي للمادة المدرسة، من جهة ثالثة. هذه الكتب هي:
1 / مرشدي
في اللغة العربية، الصادر عن أفريقيا الشرق بالدار البيضاء.
2 / الأساسي
في اللغة العربية، الصادر عن مكتبة المعارف للنشر والتوزيع بالرباط.
3 / المختار
في اللغة العربية، الصادر عن مكتبة المدارس بالدار البيضاء.
ولعل أول ما
يلفت الانتباه، بخصوص هذه الإصدارات المدرسية، تنوع العناوين المسطرة على جبهة الغلاف. فمن
"المرشد" نستحضر بعد التوجيه والإرشاد، ومن "الأساسي" نستلهم
بعد البناء والتأسيس، ومن "المختار" تستشف بعد التمثيل والاختيار. وكلها
عناوين جسدت اختيار المؤلفين وتوجهاتهم، التي تفاوتت، هي الأخرى، بتفاوت صفاتهم
المهنية. فثمة المفتش الممتاز والإطار الجامعي وثمة أستاذ التعليم الثانوي بسلكيه
الإعدادي والتأهيلي.
هذا، دون أن
نغفل التنوع الحاصل أيضا على مستوى دور النشر من ناحية، وعلى مستوى هندسة الغلاف
وجمالية الإخراج، من ناحية ثانية.
إنه تنوع
وتفاوت، يعكس بشكل أو بآخر، طموح الوزارة المعنية إلى خلق منافسة شريفة بين
المؤلفين والناشرين والمبدعين على حد سواء، لإنتاج كتاب مدرسي تخضع مواصفاته أولا،
لما ورد في دفتر التحملات من جهة، ويحترم مؤلفوه ثانيا، مختلف المداخل
البيداغوجية والتوجيهات التربوية التي رصدتها مقتضيات الميثاق الوطني للتربية
والتكوين، من جهة ثانية.
فكيف يقدم
المؤلفون كتبهم المدرسية؟
الواضح أن
مؤلفي هذه الكتب انتبهوا إلى تلك الأهمية التي يكتسبها الكتاب المدرسي، بوصفه أداة
لتفعيل الاختيارات التربوية في ترشيد وتوجيه المتعلم وهو هنا، متعلم من نوع خاص
تقتضي محاورته اعتماد وسائل تربوية وتبني طرائق منهجية تخاطب ذهنه وسلوكه في ذات
الوقت. وحرصا من المؤلفين على ضمان التواصل مع هذا المتلقي (تلميذة وتلميذ السنة
الثالثة من التعليم الثانوي الإعدادي) تراهم يعرضون في افتتاحيات مقرراتهم
المقترحة (مقدمة كانت أو تقديما) بعض التوضيحات الأساسية، التي تقرب المتعلم من
فضاء هذا الكتاب، وتعده بما يقتضيه الإعداد والاستعداد من تأمل وتركيز واتخاذ
مواقف إزاء ما يغرض عليه من مواضيع متشعبة ومهارات متنوعة.
وهكذا، تمت
الإشارة إلى كافة الأنشطة التي تنسجم والكفايات المستهدفة، كما تنسجم والبعد
التواصلي، الذي يجعل من هذا المتعلم مساهما بدوره في بناء الدروس المقترحة، وقادرا
على استثمار حصيلته التعلمية، قيما ومهارات وسلوكيات.
وقد نبه
المؤلفون، بصيغ متفاوتة، مخاطبهم إلى نوعية النصوص، التي اقترحوها بحسب المجالات
المعتمدة من جهة، وتبعا لذائقة المتعلم (المغربي طبعا) من جهة ثانية. كما حددوا
جملة الأنشطة، التي تسمح بتمرير تلك النصوص المختارة بعيون تربوية واجتماعية
وثقافية أيضا، بالمفهوم الواسع للثقافة، قصد ضمان تعلم ذاتي حقيقي يسعى إلى تطوير
القدرات والمهارات ويجنح إلى تأهيل الكفايات.
فكيف تم
تمرير البرنامج التأليفي، وكيف صيغت طرائق تفعيليه؟
رسم
المؤلفون خطة منهجية، خلال تقديم برنامج الكتاب المدرسي، حيث اتفق الجميع على
تقسيم مكونات مادة اللغة العربية إلى ثلاثة مكونات هي: مكون القراءة ومكون الدرس
اللغوي ومكون التعبير والإنشاء. وقد تم توزيع المحتوى التعليمي، الذي تشمله هذه
المكونات إلى ست وحدات، تمتد على مدار الموسم الدراسي، هذه الوحدات الست، روعي في
تشكيل وانتقاء نصوصها عدة معايير وقيم ومجالات مستهدفة.
وهكذا، نجد
وحدة القيم الإسلامية والقيم الوطنية الإنسانية، مرورا بالمجال الحضاري والمجال
الاجتماعي والاقتصادي، وانتهاء عند المجال السكاني والمجال الفني الثقافي؛ غير أنه
تجدر الإشارة إلى أن هذه المقترحات الخاصة بالقيم والمجالات المذكورة، هي امتداد
لما تم اكتسابه من لدن المتعلم خلال السنتين الأولى والثانية. بمعنى أن السنة
الثالثة من التعليم الثانوي الإعدادي تمثل الحلقة الأخيرة مما ينبغي لهذا المتعلم
أن يتمثله، في هذه المرحلة الأساسية من التعليم، حتى يصبح قادرا على تقويم
مكتسباته ودعم تعلماته.
لكن ما هي
الوسائل البيداغوجية، التي تبناها المؤلفون لبلوغ غاياتهم، التي سطروها في
مقدماتهم أو ضمن ورقة تحت عنوان: "كيف أستعمل كتابي" "كيف تستعمل
كتابك".
وضع المؤلفون
أنشطة متنوعة تخص كل مكون دراسي، على حدة، تستلهم من البرامج التعليمية والأهداف
التربوية إطارا مرجعيا لها، يسمح بتمرير الخطاب التعليمي في يسر ومرونة،
تتماشى(نسبيا)مع متطلبات التلميذ وحاجياته التعلمية. وتبعا لتنوع الوحدات الدراسية
المسطرة تباعا، وبنفس الترتيب عند مؤلفي الكتب الثلاثة المذكورة؛ فإن مضامين
النصوص المصاحبة لهذه الوحدات أو المجالات تنوع، هو الآخر، واختلف باختلاف
التوجهات المراد الوصول إليها في مجال تنمية وتطوير الكفايات. وأهم هذه الكفايات
التي اتفق بشأنها الكفايات الآتية: التواصلية والثقافية والمنهجية والاستراتيجية
والتكنولوجية.
وبإطلالة
سريعة على فهرس الكتب المقررة، نلحظ التنوع الحاصل على مستوى عناوين النصوص
المعتمدة، في الدروس القرائية أو اللغوية أو حتى تلك النصوص الموظفة في سياق دروس
التعبير والإنشاء.
وقبل أن
نبحث في نوعية النصوص المقترحة وقيمتها التربوية والأدبية، في ذات
الوقت. نعرض لأهم الخطوات البيداغوجية، التي استندت إليها كل مجموعة، كبرنامج
عمل، في تقديم أنشطتها التعليمية التعلمية، مع إبداء ملحوظات في ما تم الاتفاق
بشأنه أو حصل اختلاف حوله.
1) الدرس
القرائي: اعتمد مؤلفو المرشد بخصوص تفعيل الدرس القرائي على ست مراحل أساسية هي:
1/ شروح وإضاءات. 2/ تأطير النص. 3/ القراءة التوجيهية. 4/ القراءة التحليلية. 5/
القراءة التركيبية. 6/ الاستثمار. أما مؤلفو الأساسي فسطروا برنامجهم وفق سبعة
مراحل هي: 1/ إيضاحات لغوية. 2/ أستحضر مكتسباتي. 3/ تأطير النص. 4/ القراءة
التوجيهية. 5/ القراءة التحليلية. 6/ القراءة التركيبية. 7/ الاستثمار. في حين
اختار مؤلفو المختار المراحل الآتية: 1/ شروح مساعدة. 2/ ملاحظة النص واستكشافه.
3/ فهم النص. 4/ تحليل النص. 5/ التركيب. 6/ الاستثمار والبحث.
ومن
الملاحظات التي يمكن استخلاصها، بخصوص هذا المكون ما يتعلق أولا،
بالاختلاف الحاصل في تسمية المراحل، مثلا: (قراءة توجيهية في مقابل فهم النص) أو
(تأطير النص في مقابل ملاحظة النص)، وما يتصل ثانيا، بالاختلاف في عدد المراحل
المنجزة (بين ست مراحل وسبع مراحل)، وثالثا، ما يرتبط بالاختلاف في طرح الأسئلة
والامتدادات المطلوبة في كل مرحلة (أسئلة/ رسوم توضيحية/ صورة معبرة/ جداول، إلخ).
كما يضاف إلى هذان اختلاف آخر يتجلى، في تفاوت المؤلفين حول عدد النصوص المقترحة
خلال الدورة، أو خلال كل وحدة دراسية (بين أربعة وخمسة نصوص قرائية) و(بين نص ونصين
مسترسلين).
أما بعض ما
اتفق بشأنه، فمرتبط، أساسا، باختيار النصوص المناسبة لكل مجال وفي ضبط النصوص
بالشكل التام، وفي الحفاظ على تراتبية الأسئلة وتدرجها من البسيط إلى المركب، و
كذا في اعتماد نفس الخطوات المنهجية، في تدريس هذه النصوص: قرائية كانت أو شعرية
أو مسترسلة)، على أن اختيار النصوص السماعية ترك المؤلفون أمر اختيارها للمدرس.
2) الدرس
اللغوي: اعتمد مؤلفو المرشد على أربعة مراحل في إنجاز الدرس هي على التوالي: 1/
أقرأ وألاحظ. 2/ أحلل وأصف. 3/ أستخلص. 4/ أطبق. أما مؤلفو الأساسي فارتكزوا على
ذات المراحل، التي ارتكز عليها مؤلفو المرشد حيث نجد المراحل ذاتها: 1/ ألاحظ. 2/
أصف وأحلل. 3/ أستخلص. 4/ أطبق. على أن مؤلفي المختار لم يبتعدوا عن هذه المراحل،
وإن كانوا قد غيروا في اصطلاحات هذه المراحل، حيث نجد: 1/ تحديد الظاهرة
وملاحظتها. 2/ وصف الظاهرة وتحليلها. 3/ استنتاج. 4/ تطبيقات.
وبمقارنة
بسيطة بين المراحل المذكورة، نتبين من جديد التنوع الحاصل في استعمال بعض
المصطلحات التي تصب في ذات الاتجاه، إما بالاختزال أو بالتوسيع كما نجد في كلمة:
"ألاحظ" التي تقابل "تحديد الظاهرة وملاحظتها" أو بالقلب
المكاني مثلما نجد في: "أصف وأحلل" التي تقابل "أحلل وأصف".
ومهما يكن
من أمر هذا الاختلاف اللغوي، فإن المؤلفين حرصوا على ضبط المادة واختيار الأمثلة
المناسبة، مع الاستعانة بالجداول والتشجير أحيانا، لتقريب القاعدة من المتلقي
المتعلم.
أما
الاختلاف والتباين الحقيقي، فيعود إلى الاختلاف الحاصل على مستوى عدد الدروس
المقدمة خلال كل وحدة (بين ثلاثة وأربعة دروس) وكذلك الشأن بالنسبة للنص التطبيقي
(بين نص ونصين تطبيقيين في الوحدة)، هذا دون أن تطرح قضية المدة الزمنية المخصصة
للدرس وتطبيقاته المباشرة، التي غالبا ما لا يصلها المدرس أو لا يكملها.
3) درس
التعبير والإنشاء: بخصوص هذا المكون اتفق مؤلفو الكتب المدرسية الثلاثة حول
تقسيم مراحل الدرس، إلى ثلاثة أنشطة رئيسية هي:
1) أنشطة
الاكتساب. 2) أنشطة التطبيق. 3) أنشطة الإنتاج. وخلال كل نشاط، من هذه الأنشطة،
تدار مجموعة من الأسئلة الموجهة إلى التلميذ، بقصد بلوغ الغاية من الحصة المنجزة.
كما تم الاتفاق بخصوص المحاور المقترحة، لكل وحدة وهي: خطاب الحجاج/ السرد والوصف/
التخييل والإبداع/ النقد والحكم؛ مع تسجيل ملاحظة بسيطة تتعلق باختلاف مؤلفي
الأساسي بتقديم خطاب الحجاج على السرد والوصف كما عند أصحاب المرشد والمختار.
عدا ذلك، تبقى
النصوص والأنشطة المقترحة وفية لروح المنهاج التربوي، بما تطرحه من بدائل
بيداغوجية للدعم والتقوية ووسائل ديداكتيكية لاكتساب المهارات واستثمار القيم
والمجالات.
وتبعا
لتحقيق الغايات المنشودة، من تدريس اللغة العربية، كان الانشغال بالكفايات
والأهداف أمرا مشروعا استدعى من المؤلفين ضرورة انتقاء واصطفاء نصوص مناسبة تفي
بالغرض المطلوب. فماذا عن هذه النصوص؟
أما عن
النصوص القرائية المعتمدة، بين دفتي الكتب الثلاثة المقررة، بما فيها النصوص
المدرجة في سياق درسي اللغة والتعبير، وكذا النصوص الخاصة بحصص الدعم والتقوية
وحصص التقويم الإجمالي، فنورد بشأنها الملحوظات الآتية:
1 – تنوع
مضامين هذه النصوص بحسب الوحدات الدراسية، فمن نصوص دينية ووطنية، إلى نصوص
اجتماعية واقتصادية، فنصوص ثقافية وفنية.
2 - انتساب
هذه النصوص لمناطق شاسعة من الوطن العربي (المغرب/ الجزائر/ تونس/ ليبيا/ مصر/
سوريا/ العراق/ فلسطين/ الكويت/ البحرين/ قطر،،،) وغيرها مع حضور محتشم لبعض
النصوص الأجنبية المترجمة عن اللغة الفرنسية، مثلا.
3 – اعتماد
نصوص من مصادر مختلفة (كتب/ مجلات/ صحف/ موسوعات/ ..)
4 – استحضار
صوت المرأة الكاتبة، ممثلا في بعض الأسماء البارزة، كعائشة عبد الرحمان (بنت
الشاطئ) وليلى أبو زيد ورحمة بورقية وليلى العثمان ،، وغيرهن.
5 – تأكيد
الحضور لبعض الأسماء الرجالية الشهيرة، كطه حسين وأحمد أمين ومحمد عمارة ومبارك
ربيع وعبد الكريم غلاب ،، وغيرهم من الأسماء اللامعة التي اقتحمت فضاء الكتب
المقررة، تقريبا.
6 – تشكيل
المرجعية الزمنية للنصوص المختارة، فثمة نصوص من الأدب القديم وأخرى تنتمي إلى
العصر الحديث.
7 – انفتاح
النصوص على الثقافة الشعبية (الموسيقى والرقص..).
ورغم هذه
الملحوظات الأولية، التي تبدو إيجابية، في هذا السياق التأليفي، وغيرها كثير؛ فإنه
لا تزال ثمة بعض الثغرات أن نذكر منها:
1) هناك
نصوص مهمة، من حيث الموضوع والأسلوب، تم التعامل معها بشكل سطحي وعابر أحيانا (درس
التطبيقات مثلا).
2) إغفال
تراجم العديد من الكتاب والمؤلفين (نصوص التطبيقات والتعبير).
3) رغم حضور
الأقلام المغربية، ظل هذا الحضور متواضعا بالمقارنة مع كثافة الحضور، الذي برزت به
الأقلام المشرقية.
4) نسبة
حضور الرجل/الكاتب، كانت أقوى بكثير موازاة مع حضور المرأة، الذي ظل حضورا محتشما
وهامشيا.
5) طغيان
عملية التصرف في النص المختار (تقديم/تأخير/حذف/زيادة...).
6) رغم
الانفتاح على الثقافة الشعبية، تم تغييب فن الزجل والملحون كلغة عامية من خلال بعض
الأسماء المعروفة (الطيب لعلج/علي الحداني/أحمد لمسيح/...)
7) ندرة
النصوص الشعرية بالقياس إلى النصوص النثرية.
8) بعض
النصوص المدرجة، في حصة الدرس اللغوي، كان حضورها أنسبَ من حيث التحليل لو قدمت
ضمن درس قرائي.
هذه مجرد
ملحوظات، وليست أحكام قيمة، تبدت لنا خلال تصفحنا وقراءتنا لمحتوى ومضامين الكتب
المدرسية الثلاثة. ومهما كانت هذه الملحوظات، مقبولة أو مردودة، تبقى هذه الكتب
إضافة نوعية في حقل التأليف المدرسي، جديرة بالاحترام، وإن بدا التفاوت بينها
واضحا؛ فإن هذا التفاوت اعتبر مطلوبا، كما ألمحنا في بداية هذا العرض.
أما
اختلافنا مع بعض الاختيارات النصية والتوجهات التربوية، وكذا مع بعض مراحل الإنجاز
المقترحة خلال الدرس، فاختلاف لا يفسد للعمل التربوي قضية...
إرسال تعليق