مسرحية
تربوية من فصل واحد
أبطال
المسرحية: الأب (دون
اسم) الأم (رحمة) الابن (حاتم) البنت (صالحة)
الفـصـل
الأول والأخـيـر
(يعود الابن من المدرسة، وتبدو عليه علامات الحزن والقلق
والتوتر،،، يدخل غرفته دون إلقاء سلام..)
- الأم
: هل عاد أخوك من المدرسة؟
- البنت
: نعم أمي، لقد عاد؛ لكنه دخل غرفته مباشرة دون أن يلقي سلاما على أحد. وليست من
عادته ألا يسلم عليّ
- الأم
: طيب، سأذهب إليه (تذهب إليه
وتجده جاسا أمام مكتبه مهموما يفكر.. ثم تبادره بالسؤال) أما من تحية لأمك.. ما بك يا حاتم؟
- الابن
: معذرة أمي (يقبل رأسها)
- الأم
: ما بك يا ولدي، أراك على غير عادتك، حزينا ومهموما.. طمئني عليك. ما الخبر؟
- الابن
: لاشيء والدتي..لاشيء... (تقاطعه
الأم..)
- الأم
: ماذا هناك؟ لا تخفي علي شيئا. أنت ابني وأنا أعرفك. ما هذه عادتك..
- البنت
: لاشك، أمي، قد تعارك مع أحد زملائه بالمدرسة..
- الابن
: إطلاقا. وهل وجدتني يوما أخاصم أحدا، في المدرسة أو في غيرها؟..
- البنت
: إذن، حصلت على نقطة سيئة...
- الابن
: أبدا.. بالعكس كانت درجتي اليوم جيدة، وقد نوّه بي الأستاذ تنويها حرك غيرة
الأصدقاء..
- الأم : هيا. قل ما بك. كفى ألغازا.. فقد وتّرت أعصابي
وبدأت أفقد صبري (يدخل الوالد
ويلقي التحية..)
- الأب
: السلام عليكم..
- البنت
: مرحى أبي.. (تسلم البنت
على والدها وتقبل رأسه، ويسلم الابن أيضا؛ لكن الأب يلاحظ حزن هذا الأخير..
فيبادره بالسؤال..)
- الأب
: حاتم، ابني، تبدو كئيبا.. ما الأمر؟
- الأم
: مذ عاد من المدرسة وهو على هذا الوضع، ولم يَبِنْ حتى هذه اللحظة عما يشغله..
شوّش بالنا.. أنا وأخته..
- الأب
: لا تنزعج يا ولدي، هاتِ ما عندك.. قلْ.. وسنبحث الموضوع جميعا، ما دام الأمر
يستدعي منك كل هذا الحزن والقلق..
- الابن
: إنه صديقي، يا أبي الذي.. (تقاطعه الأم..)
- الأم
: من يكون هذا الصديق ؟ وما دخلك أنت به ؟..
- الأب
: دعيه يكمل يا رحمة، لا تقاطعيه. أتمم يا بني ولا تنزعج.. سنجد حلا إن شاء الله
تعالى.. ما ضاقت إلا فُرِجتْ..
- الابن
: ونعم بالله .. يا أبي.. إنه صديقي.. ياسر.. (تقاطعه الأخت هذه المرة..)
- البنت
: ياسر ! ابن جارنا في العمارة؟
- الأب
: انتظري يا ابنتي، لا تستعجلي الأمر، كلنا يريد معرفة الخبر، لننصت مليا إلى
أخيك.
- الأب
: أتمم كلامك، يا حاتم، وأخبرنا.. شغلت بالنا الآن جميعا أمك وأختك ووالدك..
- الابن
: إنه ياسر صديقي الحميم، من فقد أباه العام الماضي.. (تقاطعه الأم)
- الأم
: هل أصابه مكروه؟
- الابن
: لا، بل أمه..
- الأم
: ما بها؟
- الابن
: ترقد حاليا في المستشفى...
- البنت
: منذ متى؟
- الابن
: لا أعلم. ولكني حين لاحظت شروده الدائم داخل الفصل، وتوالي تغيباته وهو المنضبط
في المواعيد الدراسية، حاصرته بالأسئلة.. فاضطر إلى مصارحتي..
- الأم
: سأزورها بالمستشفى، يا ولدي.. إذا شئت، هدئ من روعك. (يحضن الوالد حاتم ويطمئنه)
- الأب
: ما أنبلك يا ولدي..! يظهر أنك تحب هذا الصديق كثيرا وتجله. نعم الابنُ أنت!
- الأم
: في أي مستشفى هي ؟
- الابن
: شكرا أمي، لا داعي.. لقد غادرت المستشفى صباح اليوم، ولكن.. (تقاطعه الأخت)
- البنت
: ولكن ماذا؟ هي مشكلة مصاريف.. أليس كذلك؟
- الابن
: بلى.. قال لي ياسر إن الجيران وأصدقاء والده القدامى، تكفلوا بقسط كبير من هذه
المصاريف...
- الأب
: حسنا فعلوا. نعم الجيران والأصدقاء. لابد أن الله مكافئهم على نبل أخلاقهم
وإخلاصهم.
- الابن
: نعم؛ ولكن فترة النقاهة قد تتطلب وقتا طويلا ومصاريف مضاعفة أحيانا.. يا أبي...
- الأم
: إن الله مع الصابرين يا ابنتي، ولا يأس من رحمة الله..
- البنت
: ونعم بالله يا أمي.
- الأب
: وماذا عن ياسر.. صديقك؟
- الابن
: هو من يقلقني حاله.. إنه دائم الحزن والبكاء على والدته، حتى باتت عيناه تؤلمانه
جراء ذلك.. (تقاطعه
الأخت)
- البنت
: ألم يفكر في زيارة الطبيب؟
- الابن
: أنّى له ذلك يا أختي، وهو دائم الانشغال بوالدته؛ بل إنه يفكر في الانقطاع عن
الدراسة، ويشتغل صبيا لدى نجار الحي كي يوفر لها قدرا من المال لشراء الأدوية..
- الأم
: يا لَلْمِسكين..! أوَصل الأمر إلى هذا الحد.. لا بد من حلّ..
- الابن
: نعم يا أمي.. لا بدّ من حل.. لكن كيف؟ هذا ما يقلقني.. (يتدخل الوالد موجها كلامه للأم)
- الأب
: الحياة قاسية يا رحمة. كثيرٌ من الأطفال المحرومين هم في الواقع مِمَّنْ خانتهم
ظروف العيش أو ممن افتقدوا الرعاية والحنان، أو ممن اضطروا إلى تحمل المسؤولية قبل
الأوان..
- الأم
: ليكن الله في عونهم.. وفي عون ياسر.
- البنت
: حرام يا أبي. والله حرام.. شاب في مقتبل العمر، مجتهد وطموح ينتهي مصيره بهذا
الشكل، لابد أن نجد له حلا. والله حرام.. حرام.
- الأب
: كل مشكلة ولها حل بإذن الله
- الابن
: وكيف يكون الحلّ يا أبي؟ وقد انسدت الأبواب أمامه: أب طواه التراب وأم طريحة
الفراش، وحلم شاب توزع بين واجب الأمومة وحقه في الدراسة والتطبيب..
- البنت
: سأفتح مُحصِّلة نقودي، وما تجمع بها نسلمه إياه لشراء ما تبقى له من لوازم
الدراسة من كتب ودفاتر وما إليها.. فعسى أن يقبل العرض ولا يمانع..
- الابن
: لم أكن أعلم أنك بهذا الكرم والسخاء ، يا صالحة، شكرا لك أختي.. هذا من لطفك..
- الأم
: وأنا أيضا، ما دام ياسر صديقك، بهذا الخلق النبيل، يشرفني اعتباره أخا ثالثا
لكما، إلى أن تخف والدته بإذن الله.. سأرعاه مثلما أرعاكما.. (يتدخل الوالد وقد راى حماس العائلة في المساعدة)
- الأب
: أما أنا، فسأساهم بدوري بجزء من تكاليف الأدوية، وأكلم طبيبا صديقا لن يمانع في
متابعة حالتها الصحية، مجانا.. فهو أيضا نصير الضعفاء والمحتاجين.. (يبدي حاتم انشراحه ويردد بصوت عال)
- الابن
: ما أسعدني بينكم، ما أسعدني بينكم.. أنتم بتضامنكم هذا تبعثون الحياة في القلوب
اليائسة البائسة،،، سأذهب إلى ياسر أبشره وأطمئنه بما دار بيننا.. لعلّه يعْدِل عن
قراره في الانقطاع عن الدراسة..
- البنت
: أرجو أن توفق في مساعيك النبيلة، يا حاتم..
- الأم
: لا تنسى أن تخبره كذلك، أنا سنمكنه من زيارة الطبيب حتى يطمئن على سلامة عينيه..
وإذا ما احتاج إلى نظارة.. (يقاطعها
الابن..)
- الابن
: هذا الأمر محلول بإذن الله يا أمي.. فجمعية آباء وأولياء التلاميذ بمؤسستنا لا
تبخل على المحتاجين والمُعْسِرين بالمساعدة الضرورية.
- الأب
: تأكد يا بني أن المغاربة في كل بقعة من يقاع هذا الوطن الحبيب يتواصلون
ويتآزرون. ألا تذكر يوم ضرب الزلزال العنيف مدينة الحسيمة؟ ألم يهب المغاربة جميعا
لإغاثتها ومد يد العون إلى سكانها، كل حسب استطاعته؟...
- الابن
: بلى.. أذكر أبي ، أذكر.
- الأم
: وماذا تقول عن التفاف الشعب المغربي حول ملكهم محمد الخامس، وعن إسهامهم في بناء
مسجد الحسن الثاني، وعن تطوعهم للمسيرة الخضراء، وعن غيرها من المواقف الإنسانية
النبيلة... (تقاطعها
البنت)
- البنت
: أجل، يا أمي، التضامن نعمة من الله، وقيمة إنسانية كان للإسلام فضل كبير في
تأكيدها والدعوة إليها.
- الأب
: صحيح بنيتي، فالإسلام دين التآزر والتكافل الاجتماعي بكل المقاييس.
- الأم
: هيا يا ولدي أسرع إلى صديقك.. (ينصرف الابن مسرورا..)
ســـــتــــــار
إرسال تعليق