لا تزال سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم تحظى بمكانة مرموقة في الكتابات
الحديثة والمعاصرة، بالرغم من تباعد المسافة الزمنية بين العصر الراهن وزمن
النبوة. وقد حاز الشعر قصب السبق في هذه العناية، حيث نظمت قصائد في مناسبات كثيرة
تستحضر شخصية الرسول في تجلياتها المختلفة، من شمائل وفضائل ومواقف وغيرِها.
وانطلاقا من هذا المنزع الشعري الإنساني، حيث الاحتفاء بشخصية الرسول صلى
الله عليه وسلم، تروم المداخلة النبش في بعض الأسباب الذاتية والموضوعية التي تدفع
بالشاعر المغربي المعاصر إلى الاستمرار في تمثل سيرة الرسول واتخاذها موضوعا شعريا
رئيسا، من جهة، ورصد مختلف المكونات الجمالية والإيقاعية، التي تميز قصيدته، من
جهة ثانية. وهو ما يفضي في النهاية إلى تبيان التداخل بين السيري والشعري في هذا
النوع من المديح النبوي.
يمثل المدح عامة، أحد الأغراض الرئيسة في التراث الشعري العربي، منذ العصر
الجاهلي إلى الآن. وهو غرض تداخلت فيه أغراض شعرية أخرى كالوصف والفخر وغيرها.
ويعتبر المديح النبوي أحد أهم هذه الأغراض لما تراكم فيه من نصوص شعرية تمتح من
السيرة النبوية وتركن إلى ما في أجوائها من أحداث ووقائع تتصل بشخصية الرسول (ص). فكيف
عبر الشاعر المغربي عن ارتباطه الوثيق بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وكيف جسد
هذه المحبة الإنسانية في إبداعه الشعري؟ وما العناصر التي تم التنبيه إليها خلال
استعراض سيرته النبوية؟ وإلى أي حد كان قريبا من ذائقة شعراء المديح النبوي؟...
تكاد لا تخلو قصيدة من القصائد النبوية، في الشعر المغربي، قديمه وحديثه، من
دعوة إلى الرحمة واستدعاء للسلم والمحبة اقتداء بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم،
بما هي قيم أساس لتكوين شخصية الإنسان المسلم، ومن خلاله صلاح الأمة وبناء
حضارتها. ولعل سبب هذا الاقتداء المباشر وغير المباشر، ما عرف عن النبي محمد عليه
الصلاة والسلام، من شمائل وخصال حميدة استطاع بها لفت الانتباه إليه وامتلاكَ قلوب
من حوله وقلوب من آمن برسالته المحمدية. واعتبارا لهذا الحضور الديني في القصيدة
المغربية، تباين الشعراء في طرائق التعبير واختلفوا في مستويات تطوير القصيدة
النبوية، بناء ودلالة.
ويعد الفقيه الأديب الطيب بن عبد الله ابن خضراء السلاوي، إلى جانب شعراء
مغاربة آخرين ممن سبقوه أو عاصروه أو جاؤوا من بعده[1]،
أحد رموز القصيدة المغربية (توفي 1950م) وأشهرِ من نظموا في مجال المديح النبوي. ترجم
له أبو مروان عبد المالك البلغيتي بقوله: "هو الفقيه الأديب الكاتب الماهر
والشاعر البارع، ولد بمدينة سلا ودرس على يد أجلة علمائها.. له أخلاق سامية تقلب
في عدة وظائف وانتهى به المطاف إلى الكتابة في ديوان الحجابة الملكية في العهد
اليوسفي."[2]
وقصد الاقتراب من عوالم هذا الشاعر وبيان خصائصه الفنية في هذا اللون
الشعري، نقترح دراسة تحليلية لإحدى قصائده المعروفة ب"همزية التنوير"،
مطلعها[3]:
لك من نورك الكريم ابتداء |
|
يا نبيا نوابه الأنبياء |
تقع القصيدة في أربع مائة وثمانية وتسعين بيتا نظمها الشاعر على بحر الخفيف
(فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن). وضمنها كثيرا من المبادئ الإسلامية والقيم الإنسانية
انطلاقا من تمثل سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم. سيرة بمعناها الاصطلاحي حيث
الوقوف عند أبرز المحطات التاريخية والإنسانية التي ميزت مساره.
ولعل أول ملاحظة يمكن تسجيلها تتعلق بالنفس الطويل الذي تميز به الشاعر، من
جهة، والإحاطة الشاملة بتاريخ السيرة النبوية من جهة ثانية. فطول القصيدة وتفصيلُها
في عرض حياة الرسول عليه الصلاة والسلام، جاء خدمة للرسالة الأخلاقية والتربوية اللتين
آمن بهما الشاعر وتمثلهما في وجوده وسلوكياته. فقد سعى كغيره من الشعراء إلى
"رسم صورة لذاك الإنسان النموذجي، المتوازن فكريا وأخلاقيا وعقائديا، وذلك
بالرجوع إلى ماضيه الذهبي الإسلامي. إنها صورة فنية وحقيقية، في ذات الآن، تجسد
شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، ومكانته المتألقة."[4]
ولتيسير عرض هذه السيرة واستخلاص ما فيها من قيم نبيلة متعددة، اعتمد
الشاعر الترتيب الزمني للأحداث وتعَقّبها وفق مقاطع مشهدية تفاوتت من حيث الطول
والقصر وتباينت بتباين الموضوعات المطروقة. والواقع أن عنصر التاريخ كان حاضرا
بقوة، من مطلع القصيدة إلى نهايتها. فثمة، نبش عميق في أهم اللحظات التاريخية وتفصيل
دقيق لمختلف الأحداث التي عاشها الرسول منذ الولادة حتى الوفاة؛ بل وبعدها.
لقد ابتدأ الشاعر القصيدة بالحديث عن الإرهاصات الأولى لولادة النبي عليه
السلام من خلال الإشارة إلى بعض الصفات التي كانت سببا في اختياره نبيا ورسولا. ولعل
أهمها الحسن والجمال والمقام الرفيع والحسب الأصيل وغيرها كثير مما ميزه عن سائر
البشر أجمعين. كما نوه الشاعر ببعض المظاهر المختلفة التي سبقت مولد الرسول، حيث انتشار
النور والضياء وتبشير الأنبياء به ونصرتهم له، بعد أن كان الجو العام الذي يسود
العالم محصورا في مظاهر الشر والظلم والجهل والفساد. يقول الشاعر:[5]
كنت نورا في حضرة الله مولا |
|
ك من قبل الأنبيا استنباء |
وينتقل الشاعر، بعد هذا المدخل العام، إلى الإشادة بذكرى مولده (ص) وما ظهر
فيها من علامات وخوارق اندهش لها القوم وسارت حديث كل لسان. فقد تدارك الله عباده
وأنزل سكينته عليهم بإرسال من يخرجهم من الظلمات إلى النور، من ذلك الحديث عن
إيوان كسرى وحالة الفرس وقصة الفيل وغيرها. يقول:[6]
يا له مولدا كريما به الإسلام |
|
يسمو تعمه السراء |
ولأن سيرة الرسول بمعناها الاصطلاحي العام ارتبطت بالحديث عن مساره
التاريخي وامتداده في الزمان والمكان؛ فقد توقف الشاعر وقفة متأنية لبسط الدليل
على نورانية هذا المخلوق البشري وما تسبب فيه من خير عمّ الكون ومن حوله بدءً
بمرضعته حليمة السعدية التي سعدت بوجوده غاية السعادة، مرورا بميله للعزلة
والاختلاء بغار حراء حيث تلقي أولى البشارات بالوحي الإلهي، ووصولا إلى نزول الوحي
عليه والمؤازرة اللامشروطة التي تلقاها من زوجته خديجة بنت خويلد. وفي ذلك إشارة
قوية إلى مساندة المرأة العربية للدعوة الإسلامية وبذلها كل الجهد لمناصرة الرسول
عليه السلام. لذلك أشاد الشاعر في قصيدته بفضلها ودورها في حياة الرسول، حيث يقول:[7]
ولها من رب البرايا سلام |
|
جاءها إذ لها بطه اعتناء |
ويمضي الشاعر في تعقب مراحل الدعوة المحمدية وبيان الأهداف التي رامها
الرسول من ورائها حيث العمل على نشر المحبة والرحمة بين الناس وتوحيدهم على كلمة
سواء. واستنادا إلى نقاء الدعوة وصفائها كانت الإشارة إلى القرآن الكريم، ضرورة لتمثل
مبادئ الدعوة الإسلامية وما فيها من معان جليلة وصلاح للأمة. لذلك رصد الشاعر تجليات
هذه الفترة من حياة الرسول مستفيضا في الحديث عن أهمية هذا الكتاب وإعجازه، ودور
الرسول في شرح آياته وبيان ما استشكل فيه، حين توزع الخلق بشأنه إلى فريقين: مصدق
ومكذب. يقول الشاعر:[8]
كذّبوا أصدق الخلائق طرا |
|
وهمُ الكاذبون والأغبياء |
وارتباطا بسيرة الرسول دائما، يستعرض الشاعر ما اتسمت به شخصيته من عفة
وسماح وتقوى وصلاح وما عرف عنه من نبل وشهامة وإباء وما تحمله من إذاية قريش ومنه يوم اجتمعوا على قتله ليلا فخيب الله
سعيهم. يقول:[9]
وفداه فرد المعالي علي |
|
في فراش ونعم ذاك الفداء |
وبذكر هذه الواقعة ينتقل الشاعر إلى وصف لحظة تاريخية أخرى لها مكانتها في
سيرة الرسول عليه السلام تتمثل في الهجرة من القرية إلى المدينة المنورة رفقة
صديقه الأثير أبي بكر الصديق. وهنا سيفرد الشاعر حيزا شعريا مهما لإثارة عنصر أساس
في شخصية الرسول تمثل في سلوكه وأخلاقه التي ضربت الآفاق، فما كان من أهل يترب إلا
أن آمنوا به نصروه وحاربوا إلى جانبه لثقتهم فيه ودفاعا عن دينه. يقول:[10]
كم لهم في الجهاد من سطوات |
|
صُرعت في الوغى بها الأعداء |
ويستمر الحديث السّيري داخل القصيدة عبر توزيع الشاعر لمحطات الرسول التاريخية
حيث استعراض الفتوحات والمعارك والغزوات ومنها: بدر وأحد وخيبر وحنين والطائف
وتبوك والخندق المعروفة بغزوة الأحزاب وغيرها. ولأن لكل غزوة سياق تاريخي واستراتيجية
حربية خاصة، فقد أُفرد لكل غزوة حربية ما تستحقه من الوصف الدقيق والإشارات
النبيهة دون إغفال ما دار فيها من أحداث، من ذلك استشهاد عم الرسول صلى الله عليه
وسلم حمزة بن عبد المطلب مثلا. وحرصا من الشاعر على تقريب الصورة النبوية السمحة وتجسيد
دلالاتها الإنسانية الرفيعة، لم يخل مقطع من إدراج صفة من صفات النبي (ص). فثمة صفات
كثيرة منها الجود والسخاء والحكمة والقوة والعفو والحلم والذكاء والخبرة وما إليها
عمد الشاعر إلى ذكرها وربطها بما يناسبها في سياق المرحلة. يقول الشاعر في مقطع من
فتح مكة:[11]
سألوا العفو من نبي حليم |
|
قد أمدّت من حلمه الحلماء |
والواضح من خلال هذا المقطع القصير أن الشاعر ذكر أكثر من صفة نبوية تشيد
بشخصية الرسول (ص) وتعلي من شأنه موازاة مع بني قومه. ولم يكن ذكره للصفة النبوية بمعزل
عن الممارسة الفعلية لها، ومن ثمة الحديث عن ارتباط القول بالفعل. وهكذا يمضي
الشاعر في ما تبقى من أبيات القصيدة متنقلا بين لحظة وأخرى، متوقفا عند أهم
الملامح الكبرى لسيرة الرسول (ص) وكيف نجح في تبليغ رسالة ربه بعد مسيرة طويلة من
الجهاد النفسي، انتهت بدخول مكة وإلقاء خطبته الشهيرة عند فتح مكة إيذانا بوداع
قريب. وهي المرحلة الأخيرة التي توقف عندها الشاعر، ليس بغاية التأريخ الفصل فقط؛
وإنما بغرض إظهار التفاعل الإنساني الذي حصل مع شخصية النبي (ص).
لقد خلّف موت النبي صلى الله عليه وسلم صدمة كبيرة لدى المسلمين الذين لم
يستوعبوا هذا الحدث في البداية، إلا بعد فترة من الزمن، حين علموا أنه قد ترك لهم
إرثا عظيما تمثل في سيرته النبوية الغراء وفي ما أسماه أيضا بالمحجة البيضاء. يقول
عن وفاته:[12]
هو حي في قبره دون ريب |
|
ما لنا في حياة طه امتراء |
لقد توافرت لهذه القصيدة كل الشروط الذاتية والموضوعية للارتقاء بسيرة
الرسول (ص)، استنادا إلى ما يقدمه التاريخ من معلومات كثيرة تتصل بالوقائع
والأحداث والمعجزات وما يضمه من تفاصيل عن بعض المعالم والفضاءات الدينية.
بالإضافة إلى ما يقدمه الإحساس بالانتماء للوطن العربي الإسلامي من شحنات عاطفية ترى
في سيرة الرسول نموذجا إنسانيا رفيعا لا يُضاهى. وهو ما يبرر تخصيص الجزء الأخير
من القصيدة لمدح الرسول وآل بيته وإظهار تشوقه لأرضه واستمطار جوده وفضله. ولعل في
تكرار الكلمات ذات الحروف المشتركة (مادح/ مدحك/ المداح/ ممدوح) ما يؤكد هذا
المنزع الاحتفالي. يقول الشاعر:[13]
يا حبيب الرحمن إني محب |
|
مادح لي في مدحك استعلاء |
ولأن حضور السيرة في هذه القصيدة النبوية، بأجوائها المختلفة، لم يكن بعيدا
عن حضور الجمالية فيها؛ فقد حرص الشاعر على تهذيب اللغة وانتقاء المفردات والسمو بالمعاني
والدلالات في غير ما موضع. فالقصيدة انفتحت على معجم شعري واسع استمد قوته من
عوالم متعددة منها الذات والحياة والطبيعة وغيرها. نذكر من ذلك النور والهدى
والرحمة والمحبة والشوق والتوحيد والنصر والعفة والروضة والضياء وغيرها. كما اشتملت
على عدد غير يسير من الصور الفنية، بما فيها من تشبيه ومجاز وكناية واستعارة تنم
عن ذائقة شعرية مغربية أصيلة. نذكر منها النماذج الآتية:
1.لم يزلزله معرك يوم حرب |
|
فهو ليث على العدا عدّاء[14] |
ففي مثل هذه النماذج، وغيرها كثير، إشراقات يستلهم فيها الشاعر مخزون
التراث الشعري القديم من جهة، ويستند في بلورتها التعبيرية إلى ذوقه وانطباعاته بما
جدّ فيها من مواقف ورؤى شخصية من جهة ثانية. فهناك تصوير بديع لحالة الرسول (ص)
وهو يقود أتباعه في ساحة الحرب. فهو مثل الأسد المغوار، إن لم يكن فعلا هو الأسد
على سبيل الاستعارة، في القوة والصرامة والإقدام والفتك والشجاعة (فهو ليث على
العدا عدّاءُ). وهناك تصوير آخر للجنود وهم يقارعون بالسيوف أعداء الإسلام (صرموا
بالصوارم البيض) حيث الأصوات تمتد في كل الأرجاء.
كما اعتنت القصيدة بالمحسنات البديعية، وهي كثيرة ومتنوعة أيضا، حيث تناغَمَ
الإيقاعان الداخلي والخارجي معا. نذكر من ذلك مثلا توظيف تقنيات التكرار والتوازي
والطباق والاشتقاق واستعمال متنوع لمختلف الأساليب الخبرية والإنشائية وكل ما من
شأنه أن يضفي جمالية على النص الشعري. ويمكن أن نتوقف عند بعض هذه الملامح
الإيقاعية في النماذج الآتية:
1.فأغثني فأنت غوثٌ غِياث |
|
حيث مظاهر الاشتقاق (غوث، غياث) و(خربت، خيبر، خرّ) وتكرار الأصوات (غ/ ث/
ي/ ف/ خ/ ر/ ب/ء).
3.كنت نورا في حضرة الله مولا |
|
ك ولا آدم ولا حواء[19] |
حيث يبرز تكرار الفعل (كنت) والأداة (لا) و (في).
4.واستحبوا العمى على الرشد بُغضا |
|
كيف يرجى لداء بُغضٍ دواء[20] |
حيث أسلوب الطباق بين كلمتي (الداء والدواء) وكلمتي (العمى والرشد) باعتبار
كلمة الرشد تقابل في معناها النور والإبصار).
القبول القبولَ يا خير مقبو |
|
ل لدى الله فالقبول رضاء[21] |
حيث ركوب البديع عن طريق التكرار بهدف التوكيد (القبول).
ولأن قصيدة المدح النبوي لم تحد عن تمثلات النصوص الشعرية العربية السابقة
في المجال؛ فإن الشاعر المغربي الحديث أبان عن حس جمالي في التعامل مع هذا الإرث،
نذكر منه قصيدتي البردة والهمزية للإمام البوصيري باعتبارهما نصين قوبلا باستحسان
كبير لدى الخاصة والعامة ونشأت حولهما معارضات كثيرة، معلنة ومضمرة في آن. لذلك لا
غرابة أن نجد بعض التشابهات بين قصيدة ابن خضراء وشعر البوصيري ما دام الموضوع
واحدا. كما يمكن الإشارة، في إطار هذا الحوار الشعري بين النص والنصوص الخارجية،
إلى حضور النص القرآني باعتباره يشكل خلفية معرفية لذاكرة النص، بالإضافة إلى النص
الشعري القديم والنص التاريخي والأمثال بوصفها دعامات أساسية يقوم عليهما النص
الشعري.
نجد إحالة صريحة إلى المثل العربي القديم "رجع بخفي حنين" في
قوله:[22]
رجعوا خيبة بخفي حنين |
|
معْ رفيق يقيهما استخفاء |
كما نلحظ تناصا شعريا واضحا في الشطر الثاني من بيته الآتي:
قد غزتهم سيوفه وبرتهم |
|
ما لجرح ببريها إبراء |
مع بيت لأبي الطيب المتنبي، وهو:
من يهن يسهل الهوان عليه |
|
ما لجرح بميت إيلامُ[23] |
كما نلمس تضمينا لإحدى السور القرآنية (سورة الفتح) في موضع آخر:[24]
قارئا بالترجيع إنا فتحنا |
|
لك فتحا وللورى إصغاء |
لقد كان الشاعر وفيا للذوق العربي القديم، في عموميته، دون أن يسقط في
المماثلة، فقد أغنى قصيدته ببعض اللمسات الفنية، تفاوتت بتفاوت العبارات وتنوع
الصور. ينضاف إلى ذلك دخوله في المديح النبوي مباشرة دون الحاجة للوقوف على الطلل
أو الابتداء بالنسيب واستخدامه لتقنية التدوير في بناء البيت الشعري.
خاتمة: هكذا يجاوز الشاعر بين منحنين اثنين هما السيرة النبوية بتفاصيلها
الدقيقة وتداعياتها المختلفة تبعا لسياقها التاريخي والاجتماعي، وبين الحفاظ على
شعرية القصيدة العمودية عبر الالتزام بالوزن والقافية واختيار الألفاظ وتركيب
الصور. وهما دعامتان تبين من خلالهما صلة الشاعر بواقعه الديني من جهة، ومدى
ارتباطه بمناخه الأدبي والشعري من جهة ثانية.
هكذا تنتظم قصيدة الشاعر المغربي الطيب ابن خضراء، من خلال استيعاب سيرة
الرسول صلى الله عليه وسلم وتبنّيها عبر مفاصل القصيدة. وإن كانت قراءة النص
مرتبطة ضرورة بالسياق التاريخي والثقافي؛ فإن الشاعر لم يأل جهدا في بث روح الحياة
من جديد في الشخصية المترجم لها، حتى لا تبقى هذه الترجمة/ السيرة مجرد تاريخ بارد
أو تقرير جامد. وهو ما يعطي الانطباع، في النهاية، بانسجام السيري والشعري في هذه القصيدة
النبوية المغربية.
المراجع
·
أبو مروان عبد المالك البلغيتي. مختارات من
الشعر المغربي في بداية القرن 14هـ/20م. راجعه وقدم له محمد حجي. منشورات الخزانة
العلمية الصبيحية. سلا المغرب 2004
·
أحمد زنيبر. المديح الديني ومستوياته في شعر
محمد الحلوي. مجلة المشكاة. مطبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء العدد 46 السنة
2005. ص.ص 27-37
·
أحمد زنيبر. المعارضة الشعرية عتبات التناص
في القصيدة المغربية. دار أبي رقراق بالبراط. 2008
·
أسامة محمد البحيري. قصيدة المديح النبوي.
نادي تراث الإمارات. 2013
·
آمنة دهري. المعارضة في النص الشعري المولدي.
ضمن كتاب جماعي زهرة الآس في فضائل العباس. ج2 دار المناهل الرباط 1997. ص776-793
·
عبد الإله بوشامة. أنماط المديح النبوي في
مغرب القرن 19 مشكلات التصنيف والتجنيس. ضمن كتاب جماعي زهرة الآس في فضائل
العباس. ج2 دار المناهل الرباط 1997. ص494-547
·
فاطمة الجامعي الحبابي. رشف من المدحة
النبوية المغربية وكشف تأملات مفادها. ضمن كتاب جماعي ومضات معرفية. كلية الآداب
ظهر المهراز فاس 2017. ص129-160
·
مصطفى الشليح. المعرفة/ المؤسسة/ السلطة في
الثقافة المغربية بسلا. مطبعة المنية بالرباط 2012
[1]- انظر دراستنا الموسومة ب"المديح النبوي ومستوياته في شعر
محمد الحلوي" مجلة المشكاة العدد 46 السنة 2005 ص 42-37
[2]- أبو مروان عبد المالك البلغيتي. مختارات من الشعر المغربي في
بداية القرن 14هـ/20م. راجعه وقدم له محمد حجي. منشورات الخزانة العلمية الصبيحية.
سلا المغرب 2004. ص277. وقد كانت وفاة الشاعر سنة 1950م
[3]- مصطفى الشليح. المعرفة المؤسسة السلطة في الثقافة المغربية بسلا.
مطبعة الأمنية الرباط. 2012. ص281-302
[4] - أحمد زنيبر. المعارضة
الشعرية عتبات التناص في القصيدة المغربية. دار أبي رقراق الرباط 2008. ص257
[5]- مصطفى الشليح. ص281
[6]- المرجع السابق. ص282
[7]- المرجع السابق. ص 283
[8]- . المرجع السابق. ص283
[9]- المرجع السابق. ص 286
[10]- المرجع السابق. ص 287
[11]- المرجع السابق. ص 291
[12]- المرجع السابق. ص 294
[13]- المرجع السابق. ص 300
[14]- المرجع السابق. ص289
[15]- المرجع السابق. ص 297
[16]- المرجع السابق. ص 287
[17]- المرجع السابق. ص299
[18]- المرجع السابق. ص 290
[19]- المرجع السابق. ص 281
[20]- المرجع السابق. ص 284
[21]- المرجع السابق. ص 299
[22]- المرجع السابق. ص 286
[23]- أبو الطيب المتنبي. الديوان. شرح عبد الرحمان البرقوقي. دار
الكتاب العربي بيروت. 1982. الجزء الرابع. ص217
[24]- المرجع السابق. ص 290
+/ إحالة: الدراسة مدرجة في كتاب: الكتابة والرؤية. أحمد زنيبر .دار أبي رقراق للطباعة والنشر. الرباط. 2020
رائع وممتع ومفيد
ردحذفشكرا