U3F1ZWV6ZTkyMzU4Njc2MzA1NjBfRnJlZTU4MjY3ODM5MzQ1ODI=

مفاهيم ومصطلحات ديدكتيكية

 


تكتسي المنظومة التربوية أهمية بالغة بالنظر إلى حجم القضايا التي تطرحها، بيداغوجيا وديدكتيكيا. فمنذ سنوات، والوزارة الوصية على القطاع تروم تحديث المنظومة وتطويرها بما ينسجم ومجموع التحولات المختلفة التي يعرفها المجتمع. ولعل إعادة النظر في منهاج اللغة العربية والحرص على تطويره بالأسلاك التعليمية الثلاثة يعد من بين المداخل الكبرى لورش الإصلاح. لذلك، موازاة مع هذه الحركية، توجه الاهتمام إلى إعمال الفكر وإعادة النظر في مسألة تكوين الأساتذة وتأهيلهم للقيام بهذه المهمة التربوية النبيلة.

لعل تحديد أيّ مفهوم من المفاهيم لا يتم بمعزل عن سياقاته المختلفة وعن تقاطعاته الممكنة مع باقي المفاهيم المجاورة. فحين نتحدث عن مفهوم التدريس مثلا، باعتباره مهنة، نكون قاب قوسين أو أدنى من مفهوم عام يشمل مادة اسمها: علوم التربية. ومنها الحديث عن التربية كممارسة تقوم على مبادئ وأسسٍ يدبرها مسؤول تربوي (معلم، أستاذ، مدرس). ولا يتم له ذلك إلا عبر وسائط تعليمية مختلفة تضمن وصولها إلى ذهن المتلقي (متعلم، تلميذ، متمدرس). ولا شك أن علوم التربية بهذا المفهوم الشامل، تتولى تمرير عدد من القيم (إنسانية، وطنية، اجتماعية، ثقافية وغيرها) من شأنها المساهمة في التنشئة الاجتماعية، وهي الغاية من كل تربية.

ولأن علوم التربية مجال يتسع لمختلف العلوم الإنسانية منها الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس التربوي وغيرها؛ فإن الحديث يأخذنا إلى مفهوم أعم وأشمل هو مفهوم البيداغوجيا. وهي كل ما يتصل بمختلف المقاربات النظرية التي تهتم بالمتعلم في مختلف جوانبه النفسية والاجتماعية ومن دونها لا يمكن الحديث عن ممارسة تعليمية تعلمية. وهي ذات بعد نظري بالأساس تستند إلى خلفيات فلسفية ومعرفية ولغوية تستهدف وضع إطار عام للمنظومة التربوية المعتمدة.

وفي هذا السياق، نجد أن هناك بيداغوجيات متعددة ترتبط بالدرس والمدرس والمتمدرس. منها مثلا البيداغوجيا الفارقية، بيداغوجيا المشروع، بيداغوجيا اللعب، بيداغوجيا الخطأ، بيداغوجيا حل المشكلات وغيرها.

وبالحديث عن البيداغوجيا لابد أن نستحضر مفهوما جديدا هو مفهوم المنهاج الدراسي، باعتباره الوعاء الذي يحتضن هذه المقاربات ويتبّناها عمليا أثناء التنزيل والممارسة.

ويقصد بالمنهاج في بعض معاجم اللغة "الطريق الواضح"[1]، أما في الاصطلاح فيعني وثيقة تربوية تضعها مديرية المناهج، تضم أهم الاختيارات البيداغوجية والأسس الفلسفية والتربوية التي يقتضي الأمر العمل بمنطلقاتها والسير على هداها؛ دون إغفال مرونة المدرس ومدى تفاعله مع محتوياتها ومضامينها. كما أنه، وفق التوجيهات الرسمية "يقوم على تحديد مجموعة من المنطلقات والأسس الديدكتيكية تراعي سلامة الاختيارات وما يقتضيه من ضبط العلاقة التفاعلية بين المدرسة والمجتمع، مثلما تراعي مواصفات التلميذ عند نهاية استكمال مرحلة[2]، من مراحل التعليم (ابتدائي أو ثانوي). وبهذا المعنى، يرتبط الحديث عن المنهاج بالإطار المرجعي، من خلال ثلاث محطات تنطلق من تحديد استراتيجية التدريس أولا، وتمر عبر طريقة ومنهجية التدريس ثانيا، ثم تنتهي، ثالثا، عند أنواع الأساليب المعتمدة أثناء التدريس.  

ويستدعي الحديث عن المنهاج اطلاعا على شكل ومحتوى الكتاب المدرسي، باعتباره وسيطا بين المعلم والمتعلم، وباعتباره وثيقة تشمل الترجمة الفعلية لمحتويات المنهاج وتخزينا لفلسفته التربوية. وقد عرف الكتاب المدرسي تطورا ملحوظا على مستوى الإعداد والإنجاز. فبعد تجربة الكتاب المدرسي الواحد والكاتِب/المؤلف الواحد، تم تبنّي الكتاب المدرسي المتعدد، في مختلف الأسلاك التعليمية، ابتدائي، وإعدادي وثانوي، من خلال السماح لأكثر من مؤلف مهتم بالمجال التربوي (جامعي، مفتش، مدرس، مكوّن) ليدخل غمار المنافسة في التأليف المدرسي. وبناء عليه، صدرت العديد من الكتب المدرسية في مادة اللغة العربية، تستهدف مرحلة دراسية محددة، كل كتاب منها اختار له مؤلفوه اسما مميزا (المنار، المختار، الرائد، الممتاز، المفيد، الأساسي...)

 وإذا كانت البيداغوجيا تمثل الشق النظري في مجال التربية؛ فإن مفهوم الديدكتيك يمثل الشق العملي أو التطبيقي لها، حيث الحديث عن المادة الدراسية (لغة عربية، تربية إسلامية، لغة فرنسية، إلخ) والحديث عن المكونات (قراءة، لغة، تعبير وإنشاء، مؤلفات، عقائد، عبادات إلخ) وهنا لابد من العودة إلى المصادر والمراجع الضرورية، بما فيها الكتب والمجلات والمذكرات الوزارية والأطر المرجعية وغيرها لبيان استراتيجية الممارسة المهنية.

لقد أصبح الحديث، اليوم، عن الديدكتيك وما يرتبط به من مفاهيم نظرية ومصطلحات إجرائية متنوعة، تهم تدريس المواد، وفق منظور مزدوج أحدهما معرفي والآخر بيداغوجي. وقد قُسّم الديدكتيك إلى نوعين: ديدكتيك عامة تعنى بالمشترك بين المواد الدراسية في التعليم، ثم ديدكتيك خاصة تقتصر على ما يتصل بمادة دراسية مستقلة لها موضوعها وخصوصيتها. والمشتغل بالديدكتيك، عموما، حين يضطلع بعملية التدريس، يضع في ذهنه تخطيطا ثلاثي الأبعاد يناسب طبيعة المادة ومحتواها (المعرفي واللغوي والإبداعي) وكذا نوعية المتعلم وقدراته (النفسية والجسمية والحركية). وهي العملية التي ترتبط بمفهوم النقل الديدكتيكي الرامي إلى تدبير المعارف والتعلمات المدرسية. (من المعرفة العالمة إلى المعرفة المدرسية).

غير أن الديدكتيك، وفق المواصفات السابقة، لا يكتفي بالبحث عن "كيف يتم دفع التلميذ إلى اكتساب هذا المفهوم أو تلك العملية، أو تلك التقنية، وإنما يجب أن نهتم، وبالدرجة الأولى، بتحديد ماذا يقدر التلميذ على تعلمه في إطار بعض أصناف المعرفة."[3] 

ولا شك أن اشتغال الديدكتيك، كما وصفته الأطر المرجعية، ارتبطت ممارسته الفعلية باعتماد إجراء منهجي جديد يتعلق بتفعيل مدخل الكفايات. وارتباطا بالديدكتيك تعد الكفاية  (خاصة أو نوعية) مدخلا رئيسا للممارسة التربوية وإحدى الدعامات التي انبنى عليها منهاج اللغة العربية في تدريس مختلف الأسلاك التعليمية الثلاثة، حيث التركيز على المتعلم حتى بلوغ الكفايات المستهدفة (استراتيجية، تواصلية، منهجية، ثقافية، تكنولوجية).  

يمكن اختزال لفظة الكفاية في أنها: "نظام من المعارف المفاهيمية الذهنية والمهارية (العملية) التي تنتظم في خطاطات إجرائية تمكن في إطار فئة من الوضعيات من التعرف على المهمة الإشكالية، وحلها بنشاط وفعالية." [4] إلا أن "امتلاك المعارف أو القدرات لا يعني بالضرورة أن يكون المرء كفؤا، إذ لا تكمن الكفاية في موارد، معارف، قدرات ينبغي تعبئتها، بل في كيفية توظيفها واستعمالها. فهذه العدة شرط لوجود الكفاية"[5] إن شرط تحقق الكفاية رهين بمدى تمثلها من قبل المتعلم عبر استحضارها كلما صادف وضعية مشكلة (معرفية، لغوية، أو تواصلية).

وارتباطا بالديدكتيك نصادف ثلاثة مفاهيم رئيسة الأول مفهوم المثلث الديدكتيكي (المدرس، التلميذ، المعرفة) فإذا كان التوجه في السابق قد أولى العناية للمدرس، باعتباره مُسيّرا ومُوجّها لمجموعة القسم؛ فإن التوجه اليوم غدا منصبا على المتعلم. ومن ثمة، أصبحت فرضية التواصل داخل مجموعة القسم، تسير في اتجاهين: عمودي وأفقي. والثاني مفهوم العقد الديدكتيكي حيث الانضباط إلى مجموعة من الشروط التربوية التي ترسم خريطة التعامل بين المدرس ومجموعة القسم. أما المفهوم الثالث فيرتبط بالنقل الديدكتيكي، حيث تيسير المعرفة بنقلها من المستوى العالم إلى المستوى المدرسي.  

من ثمة، تأتي أهمية المدرس، باعتباره معنيّا بتقديم الدرس وتقريبه إلى المتعلم. وهنا نستحضر مفهوم التخطيط والتدبير والتقويم. فالقصد من عملية التخطيط، كما تقول به الوثائق الرسمية هو "جملة إجراءات وأفعال التي يقوم بها المخطط لغرض معين.. يخضع لسلسلة من الأفعال المنظمة زمنيا"[6] وتتم أجرأة هذا التخطيط في بطاقة أو ما يعرف باسم الجذاذة حيث تشمل معلومات، عامة وخاصة، بالمستوى الدراسي والموضوع والحصة الزمنية، وكذا الوسائل والأهداف والكفايات وغيرها، بالإضافة إلى محتوى الأنشطة التعليمية والتعلمية يُراعى فيها تراتبية المقاطع البيداغوجية، عند كل مرحلة من مراحل بناء الدرس.

أما التدبير فهو الإجراء العملي والواقعي لما تضمنته الجذاذة من أنشطة تعليمية تعلمية. وكلما كان التخطيط للدرس جيدا كان احتمال الفشل ضعيفا. وهنا لا بد من جعل فضاء القسم مشبعا بالحركة والحيوية باعتماد "نهج تربوي نشيط، يتجاوز التلقي السلبي والعمل الفردي إلى اعتماد التعلم الذاتي، والقدرة على المشاركة في الاجتهاد الجماعي."[7]. وهو الأمر الذي يغدو معه مفهوم التدبير، ومنه تدبير فضاء القسم، مثلا مؤشرا دالا على بيان مدى انتظام العلاقة بين المدرس والمتعلم، وتحقيقا فعليا للتصور النظري الذي خطط له المدرس قبلا. أما عملية التقويم فمحطة ملازمة ومصاحبة لإنجاز الدرس. ويتوزع التقويم إلى ثلاث مراحل (تشخيصي، تكويني وإجمالي).

وللتذكير فقد تبنت المقررات الدراسية بالسلك الثانوي مثلا "نظام الدورات والمجزوءات باعتبارها رؤية جديدة تحقق وحدة المجزوءة بدل الدروس المفككة وتؤهل المتعلم للتكوين الجامعي الذي يعتمد بدوره نظام الدراسة بالمجزوءات، فضلا عن أنها تستجيب لحاجات المتعلم وتقوم على مبدأ التكيف ومواءمة وتيرة التعلم."[8]

ويقترح المنهاج الدراسي، في إطار تدبير مادة اللغة العربية، مثلا بمكوناتها المختلفة نصوصا نثرية وشعرية تندرج ضمن أحد المجالات المقترحة في البرنامج الدراسي (الكتاب المدرسي). كما تخصص عملية التدريس بخطوات إجرائية تستند إلى ما يعرف بمفهوم "القراءة المنهجية" التي تساهم في بناء سير الدرس. والملاحظ أن هذه العملية تختلف من سنة دراسية إلى أخرى تبعا لمستويات التلاميذ وقدراتهم، لكنها تلتقي في خمس مقاطع بيداغوجية رئيسة (الملاحظة، الفهم، التحليل، التركيب، التقويم). ومن أجل ذلك، بات لزاما على المدرس أن يكون محيطا بمنهجية التدريس ومدركا لوظيفة ما يسمى بالسؤال الديدكتيكي القائم على البساطة والوضوح والتدرج. فبدونه لا يمكن تحقيق التفاعل الصفي بين المتعلمين ولا بلوغ الغاية المستهدفة من العملية التعليمية التعلمية.

هذه بعض مفاهيم ومصطلحات يحسن التعرف إليها والاستئناس بأبعادها التربوية والديدكتيكية، من أجل فهم جيد لمعنى التدريس والممارسة المهنية.

++ جزء من مداخلة ألقيت خلال دورة تكوينية، لفائدة الطلبة المقبلين على اجتياز مباراة الأساتذة أطر الأكاديميات، نظمها مختبر الثقافة والعلوم والآداب العربية بتنسيق مع شعبة اللغة العربية وفريق بحث التربية وتدريس الثقافة واللغات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق بالدار البيضاء بتاريخ 5 أكتوبر 2022



[1] - ابن منظور. لسان العرب. دار صادر بيروت. 1997 

[2] - التوجيهات التربوية والبرامج الخاصة بتدريس مادة اللغة العربية بسلك التعليم الثانوي التأهيلي. مديرية المناهج. نونبر2007

[3] - عبد اللطيف الفارابي وآخرون. معجم علوم التربية مصطلحات البيداغوجيا والديدكتيك. سلسلة علوم التربية 1994. ص70

[4] - محمد الدريج. الكفايات في التعليم سلسلة المعرفة للجميع. الرباط 2000. ص57

[5] - لحسن مادي. تكوين المدرسين نحو بدائل لتطوير الكفايات. منشورات مجلة علوم التربية 2001. ص35

[6] - الوحدة المركزية لتكوين الأطر. مجزوءة التخطيط. 2012 ص41

[7] - الميثاق الوطني للتربية والتكوين، 1999

[8] - التوجيهات التربوية والبرامج الخاصة بتدريس مادة اللغة العربية بسلك التعليم الثانوي التأهيلي. مديرية المناهج. نونبر2007


تعديل المشاركة
author-img

أحـمـد زنـيـبـر

أكاديمي وناقد أدبي، أستاذ بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين. رئيس فريق البحث "الخطاب البيداغوجي ورهاناته اللغوية والجمالية". عضو اتحاد كتاب المغرب وناشط جمعوي. له مؤلفات فردية وجماعية...
تعليقات
تعليق واحد
إرسال تعليق

إرسال تعليق