U3F1ZWV6ZTkyMzU4Njc2MzA1NjBfRnJlZTU4MjY3ODM5MzQ1ODI=

الشعر المغربي وإحياء المنسي

 حـوار أعـدّه الإعـلامي عـبـد العـزيـز بـنـعـبّـو



تقديم: صدر للباحث المغربي الدكتور أحمد زنيبر، كتاب بعنوان "المعارضة الشعرية عتبات التناص في القصيدة المغربية"، يتناول بالدرس والتحليل فضاء المعارضة بوصفها ظاهرة طبعت المشهد الشعري القديم بالمغرب، وباعتبارها مجالا خصبا كشف عن مظاهر التأثير والتأثر اللذين سرَيا في عمق الأعمال الإبداعية المغربية، وما أفرزته من قضايا نقدية دار حولها كثير من الجدل، كان على رأسها قضية التقليد والتجديد، وما انبثق عنها، من مظاهر التناص في القصيدة العمودية.

قدّم لهذا الكتاب الدكتور محمد مفتاح، ومما جاء في هذا التقديم قوله: " لقد حاول المؤلف أن يرصد أهم الأنواع، التي تشكلت منها المعارضة الشعرية، وأن يتتبع نظامها ومراسمها، في هذه الحقبة من تاريخ المغرب، وفق استراتيجية محكمة، قوامها المقارنة والموازنة، رسم خلالها حدود العلاقة التفاعلية بين النص المعارِض والنص المعارَض، بقصد إظهار ما تشابه وما اختلف، تصورا وبناء ودلالة. وهو ما مكن الأستاذ الباحث في النهاية من تفسير أسباب انتشار واستمرار الظاهرة المدروسة وتأويلها، انطلاقا من مساءلة الخلفية الفكرية والسياسية، التي كانت تشغل بال المثقفين في هذا العصر، وتدعوهم، عبر آلية المعارضة، للتباري وإظهار التفوق، على من سواهم من المعاصرين لهم أو السابقين ممن كان لهم كبير الأثر، في المشهد الشعري، ذاكرة وحضورا."

صدر الكتاب بدعم من وزارة الثقافة عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر بالرباط. ويقع في ثلاثمائة وثمانية وعشرين صفحة من الحجم الكبير. من أجل الغوص عميقا في تفاصيل هذا الكتاب الحدث نحاور صاحبه مستفسرين عن بعض ما علق بأذهاننا من أسئلة بعد القراءة الأولى لهذا المؤلف.

1- السؤال /المدخل إن صح التعبير هو الاستفسار عن أسباب النزول بمعنى لماذا هذا الكتاب؟ وهل نحن في حاجة إليه؟

يأتي هذا الكتاب، في سياق الأبحاث النقدية التي تهتم بقضايا الأدب المغربي، وتتوجه نحو مقاربة مادته الإبداعية، تارة بالجمع والتحقيق، وتارة أخرى بالدراسة والتحليل. ومن ثمة، يندرج موضوع الكتاب ضمن هذا التوجه، حيث تم اختيار إحدى الظواهر الأدبية، التي طبعت المشهد الشعري بالمغرب، لفترات زمنية، ممثلة في ظاهرة المعارضة باعتبارها مجالا خصبا للقراءة والمتابعة. أما أسباب الاختيار فذاتية وموضوعية، في آن، منها وجود تراكم كمي لعدة نصوص تعالقت فنيا مع نصوص أخرى، فتحت آفاق البحث في مسألتي الإبداع والاتباع واستوجبت، تبعا لذلك، وقفة تأملية للحوار والمساءلة.

وبخصوص الشق الثاني من سؤالكم فموكول، في واقع الأمر، إلى المتلقي. فهو من يفصح، بعد عملية القراءة طبعا، عن مدى إفادته من هذا العمل، وبالتالي مدى استخلاصه لرؤية الكاتب وتصوره المنهجي للموضوع.

2- العودة إلى التاريخ جزء منسي من الذاكرة الإبداعية المغربية، حتى كاد المتتبع يخال الشعر المغربي دون تاريخ، هل يدخل الكتاب في باب نفض الغبار عن الذاكرة الشعرية المغربية؟

يشكل التاريخ جزءا هاما من هوية الأدب. ولولاه ما كان بالإمكان التعرف على محطاته المختلفة الضاربة في القدم أو الموغلة في النسيان. وحرصا على استعادة هذا التاريخ وضمنه الذاكرة الإبداعية، في جوانبها المشرقة، كان على الأدباء والباحثين المهتمين بظواهر وقضايا الأدب الرجوع إلى التراث والإفادة من مخزونه الثقافي المتنوع قصد ربط الماضي بالحاضر، من جهة، واستشراف آفاق المستقبل، من خلاله، من جهة ثانية.

بهذا المعنى، لا يدخل هذا الكتاب في باب نفض الغبار عن الذاكرة الشعرية المغربية فحسب؛ وإنما استعادتها والإصغاء إليها، مساءلة ومحاورة، بما يسمح بإنماء الحركة الثقافية ويعضد مسيرتها المتلاحقة. ولنا في مختلف المصادر التاريخية والأدبية من النصوص الإبداعية العدد الكثير مما ينم عن أصالة مغربية وذائقة فنية عالية، ما على القارئ أو الباحث الناقد إلا أن ينصت إلى نبضها ويختبر مدى إبداعيتها.

3- ألا يزكي هذا الكتاب المقولة المشرقية هذه بضاعتنا ردت إلينا ؟

أبدا، بل إن مسعى هذا الكتاب، هو بصورة أو بأخرى، دحض هذه المقولة، التي أساءت إلى أدبنا، بما فيه الكفاية، وذلك من خلال النظر في شكل ومحتوى موروثنا الإبداعي. صحيح أن صلة الشعراء المغاربة بالأدب الأندلسي والمشرقي، على حد سواء، كانت صلة قوية وعميقة حصل معها نوع من التلاقح والتلاحم وصل إلى حد التشابه في المنتوج الشعري، معنى أو مبنى أحيانا؛ غير أن ذلك لم يكن بالشكل الذي يجعله صورة طبق الأصل أو بضاعة مردودة. فثمة استثناءات كثيرة تنم عن مقدرة وكفاءة مغربية أصيلة لدى شعرائها. والأمثلة والشواهد كثيرة، لعل أشعار المعارضة المدروسة من بين ما يؤكد مدى انسجام الشعر المغربي وسياقه التفاعلي بين واقعه وفكره ثم إبداعه.

4- ألا تظن معي أن التكثيف من هذا النوع من الأبحاث و الدراسات سيخدم الإبداع المغربي الشعري ماضيا و حاضرا و مستقبلا؟

طبعا، ما في ذلك أدنى شك، لأن كل بحث في التراث هو في الأصل بحث في الجذور، في الذات وفي الأصول. وبه يكتسي الحاضر الأدبي قيمته، الواقعية والرمزية، كجزء من حضارة الأمة. البحث في التراث، إذن، يهدف إلى استعادة أمجاد الماضي، بمختلف عصوره، حيث يحاور إبداعاته ويفسر بعض تجلياته، في ضوء مجموع الخلفيات الفكرية والثقافية، التي كانت تشغل بال مثقفيه آنذاك. وهو ما يسمح، كما ألمحت سلفا، بعقد الموازنات والمقارنات بين الإبداع المحلي للشعراء المغاربة وبين إبداعات الآخر الشعري، على سبيل المعارضة أو التناص. وفعلا إنه اهتمام يقدم، بشكل أو بآخر، خدمة كبرى للإبداع الشعري المغربي ماضيا وحاضرا ومستقبلا، مثلما ذكرت.

 5- كيف كان اشتغالك على هذا الكتاب خاصة المراجع هل كانت متوفرة أم العكس؟

لا شك أن أي عمل نقدي، من هذا القبيل، يتطلب جمع المادة البيبليوغرافية، التي تخدم الموضوع أولا وتدعم المنهج ثانيا. وبما أن اشتغالي كان حول موضوع المعارضة الشعرية فقد اقتضى مني الأمر مراجعة العديد من المصادر والمراجع، القديمة منها والحديثة، لتلمس المفهوم النظري للظاهرة، من زاوية، والنظر في مدى إجرائيته وتداوله بين الشعراء المعنيين بالظاهرة، من زاوية ثانية، ناهيك عن حصر عدد من الدواوين والنصوص الشعرية، التي تم وضعها رهن التحليل والمقارنة، من زاوية ثالثة.

وهكذا تنوعت مصادر الدراسة بين مخطوط ومطبوع، وشملت مختلف العصور المغربية، كالعصر المرابطي والموحدي فالمريني ثم السعدي، الذي توقف البحث عنده طويلا. كما انفتحت، هذه المصادر، على أدب المشارقة والأندلسيين باعتبارهما مرجعيتين أساسيتين لدى الشعراء المغاربة برزتا، بصور متباينة، في تجربة المعارضة بواجهاتها المختلفة.

أما المراجع والمجلات والدوريات، فقد تباينت، هي الأخرى، من حيث مقاربتها للموضوع منها ما اعتمد في الدراسة ومنها ما جاء على سبيل الاستئناس والاستشهاد.

6- ختاما ما الذي تتوقعه لهذا الكتاب في المشهد الثقافي المغربي و العربي ؟

آمل أن يحظى هذا الكتاب بالقراءة المتأنية والموضوعية أولا، وأن يكون فعلا إضافة نوعية في حقل الدراسات المغربية وينضاف، بالتالي، إلى رصيد المكتبة العربية ثانيا.

آمل أيضا، أن تصل فائدة الكتاب كافة القراء، طلبة وباحثين ومهتمين بالأدب المغربي، على حد سواء، حتى يُسائلوه أو ينتقدوه في خلاصاته ونتائجه. أخيرا، أرجو أن يُتبع هذا العمل بدراسات أخَـر، لأنّه، في نهاية المطاف، ليس إلا بداية البدايات...   

تعديل المشاركة
author-img

أحـمـد زنـيـبـر

أكاديمي وناقد أدبي، أستاذ التعليم العالي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين. رئيس فريق البحث "الخطاب البيداغوجي ورهاناته اللغوية والجمالية". عضو اتحاد كتاب المغرب وناشط جمعوي. له مؤلفات فردية وجماعيةمتعددة...
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق